نرد
. قرّر أن لا يخسر اللعبة الأخيرة ... خرج للباحة التّرابية بمنزله، نظر للثور الهائج في حظيرته، قائلا له: (كلانا ثور هائج!) ... وقف برهة عند شجرة العنب، ومعه ورقة. * * * ... كان يحمل الورقة معه دوما، في جيبه الفارغ، رغم أنّها ترعبه! ... وبيده يُحرّك حجرًا، أخذ يتمتم معه، يناديه باسمه: "النرد شير"! ... الغريب في الأمر، أنّه كلّما حرّكه؛ شعر بنشوة تسري في روحه الضائعة، فأدمن مصاحبته، ولم تطق أصابعه مفارقته، وكانت قراراته المصيرية مقرونة به دوما، زوجته المُطلّقة، عمله المطرود منه، مستقبله الضبابي، مصيره الرمادي، أمنياته الحالمة، حتى قراراته الحاسمة! ... لقد زيّن لياليه البائسة بأساطير الثراء والحظّ... استخرجه ليلاً، من قبر امتحى أثره، إلّا من الشّاهد الحجري المنقوش عليه ثور هائج، ومكتوب تحته: (عاش مؤمناً بحظه!)... * * * ... اللّعب بالنّرد يُسلّيه؛ فينسى أحزانه لحظة ليس إلاّ، وحينها تهاجمه ذكرياته البائسة، وصوره الممزّقة ... وأحلامه الضّائعة، وحظه العاثر! ... نظر للورقة المملوءة ... يحاول عبثا حلّ معادلة الأرقام المرعبة! ... تمعّن غصناً قويا في شجرة العنب، ربط حبلاً، عقده بقوة... ازرقّت أوداجه، خرّ الثور الهائج، هدأت آلامه، لم يتمالك الحبل نفسه، وانقطع الحبل لشدّة ثقل المصيبة ... سقط، ومن يده لم يسقط النرد الذي كان متشبثا به لآخر رمق!. * * * ... جيبه الفارغ كعقله، لم يعد بحاجة لأن يملأه... طارت في مهبّ الرّيح تلك الورقة... وكُتب على شاهد قبره: (عاش مؤمنا بحظّه!) ... كنت أتمنى أن أكون محظوظا مثله، أو أجد تلك الورقة! حاولت البحث عنها كثيرًا، ويا لحظي...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق